من طنجة إلى الوطن الجريح: حكومة رجال الأعمال تُتاجر بالوهم وتوزّع الذل”

بقلم : عبد الحميد علوشا في وطن لا يسمع أنين الضعفاء، ويجيد فقط رفع شعارات زائفة عن “الكفاءة”، يخرج المواطن من الإدارات العمومية كما يخرج من المعركة: مهزومًا، مُهانًا، دون حق أو أمل. عدت من طنجة، لكنّها لم تكن رحلة سفر، بل كانت شهادة على عبث دولة تُدار كضيعة، وحكومة تُسوّق لنفسها على أنها الأفضل، بينما تنخرها الزبونية والفساد والنفاق.
كل من مرّ من الإدارات العمومية المغربية، يدرك حجم المأساة اليومية. البيروقراطية ليست فقط تأخيرًا في الإجراءات، إنها إذلال ممنهج للمواطن. دخلت مكاتب كثيرة في طنجة بحثًا عن حق بسيط، فوجدت نفسي أواجه صمتًا ثقيلًا، واستخفافًا صارخًا، وتعاملًا ينضح بالاحتقار، إلا لمن يحمل في جيبه اسمًا وازنًا أو صلةً نافذة.
هنا، لا مكان للحق إن لم يكن مدعومًا بالقوة. لا قانون يُطبّق بعدل، بل يُلوى عنقه حسب مصالح رجال النفوذ. والويل كل الويل لمن لا ظهر له، لمن لا يتقن فن “التسول الإداري” أو لا يملك مفتاح الهاتف السحري.
ووسط هذا الواقع المرير، يخرج علينا أبواق حكومة “رجال الأعمال” لتمدح إنجازاتها. يتحدثون عن الكفاءة، وهم أول من سحقها. يتحدثون عن التنمية، وهم أول من يحتكرها. حكومة تُسوّق نفسها كمنقذة، بينما لا ترى في المواطن إلا رقمًا يُستغل، وصوتًا يُستدرج، وجسدًا يُرهق ثم يُرمى في طوابير الانتظار.
إنها حكومة نخبوية بمعناها السوقي، لا الوطني. حكومة ترى الدولة شركة، والمؤسسات أدوات لتضخيم الأرباح، لا لخدمة الشعب. تتباهى بمشاريع كبرى، لكنها لا تملك أدنى إرادة لإصلاح بسيط يمس المواطن الفقير. تدّعي محاربة الفساد، وهي حليفة له في الخفاء.
ما عشته في طنجة ليس حالة معزولة. بل هو امتداد لواقع مر، تعيشه الأغلبية الصامتة في كل جهات المغرب. وما لم يتم القطع مع هذا المنطق المتغطرس، ومع هذا الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة، ستبقى الكرامة كلمة غريبة، وسيبقى الوطن ينزف بصمت.
خاتمة:
أكتب من وجع، لا من حقد. من تجربة، لا من تنظير. أكتب لأنّ الصمت في زمن القهر خيانة، ولأنّ السكوت عن فساد الحكومات مشاركة في إطالة عمرها. عودتي من طنجة لم تكن إلا جرس إنذار… لكن من يسمع الجرس إن كانت الآذان محشوة بالذهب؟