مقالات و آراء

إشكالية التأويل الدستوري لترسيم الأعياد في سياق الاحتفال برأس السنة الأمازيغية

-د. حسن أهويو- باحث في القانون الدستوري والبرلماني

تتكاثف الحركية المدنية والسياسية كعادتها مع حلول “رأس السنة الأمازيغية أو ما يعرف ب’إيض يناير” بغاية مضاعفة المجهود العمومي في مجال تثمين الأحكام الدستورية والمقتضيات التشريعية التي ترسخ المكانة الدستورية للغة الأمازيغية.
وحيث من البين باستقراء عام لمختلف زوايا نظر سائد في قنوات النقاش العمومي ووسائل التواصل الاجتماعي تحقق إجماع وطني بارز بشأن رجاحة المقاربة الداعمة لخيار الاستجابة الضرورية لتحيين قائمة الأعياد الدينية والمدنية التي تعد أيام عطلة وتؤدى عنها الرواتب كل سنة.
كما أنه من يتعذر إغفال رسوخ الاحتفال المغربي بهذا اليوم بتمظهرات اجتماعية وتراثية متنوعة، ومزينة بتبادل التهاني والتبريكات وأغاني وأهازيج أمازيغية وتناول جماعي لوجبات خاصة كالكسكس ” و”حاكوزة”، وما تثيره جميعها من دلالات حضارية وقوة انشداد وتعلق برمزية الفلاحة والأرض وما تنبته لاستدامة الحياة الإنسانية.
ومن جهة أخرى، لا يمكن إنكار تزايد التفاعل الرسمي مع رمزيته في المخيال الاجتماعي الشعبي، باعتباره عنصر ثروة لامادية، ولا غرابة من وضوح استثماره لإبراز بعض تجليات المنجز الرسمي في مجال النهوض بالأمازيغية بل وترويج احتفال أعضاء الحكومة ووزراءه بدورهم بموعد السنة الأمازيغية، مع الإشراف على تنظيم أنشطة احتفالية مسايرة لذلك.
بيد أن سؤال الترسيم القانوني ليوم السنة الأمازيغية وجعله عيدا وطنيا بعطلة مدفوعة الأجر لازال قائما ومفتوحا إلى غاية اليوم، مع تعذر كشف الحجب الموضوعية المثيرة لعلل تأجيل أو تعطيل موعد الاقرار الرسمي بشرعية الاحتفال الأمازيغي الوطني.
لذلك نود، من زاوية قانونية صرفة، لفت النظر إلى إشكالية التأويل الدستوري لموضوع ترسيم عيد السنة الأمازيغية بغاية التأكيد على ضرورة التعجيل بمبادرة الحكومة لتحمل مسؤوليتها الدستورية والقانونية في هذا الشأن، وتجاوز عقدة التضخيم المبالغ فيه في شأن تدبيره لدرجة تؤول به إلى تعلقه، بدون سند دستوري وموضوعي، بمستوى التوجهات والقرارات الاستراتيجية لسياسة الدولة التي لها علاقة بالإدارة الملكية وشرط التداول بشأنها في مجلس وزاري.
ومن البين في هذا الصدد أن التأخر المسجل في الإقرار الحكومي للعيد الوطني الأمازيغي لا ينسجم موضوعيا مع اعتبار أهمية الإحالة على أسبقية التقدير الملكي السامي لمكانة الأمازيغية ودورها في النسيج المجتمعي الوطني، حيث ورد في الخطاب التاريخي لأجدير سنة 2001 التأكيد على أن “الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، ” وجعل ” النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية”.
كما أنه من المتعين الاسترشاد بمستوى السقف القانوني الأعلى الذي تجسده أحكام دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية وتدعمه مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، بما لا يعطل إنتاج إجراء حكومي تنفيذي عادي في مستوى السقف الدستوري الأدنى لترسيم عيد جديد.
ومن زاوية أخرى، يتعين اعتبار حقيقة الطابع التنظيمي في تحديد القيمة الدستورية لموضوع إصدار سند ترسيم عيد الاحتفال بالسنة الأمازيغية ، فهو لا يكتسي من الناحية الدستورية المبدئية طابع تشريعي مستوجب لمبادرة تشريعية حكومية أو برلمانية، بل يعد بكل تأكيد خارج نطاق المجال التشريعي الحصري ومتعلق بالضرورة بالمجال التنظيمي لرئيس الحكومة وضمن الصلاحيات الدستورية المخولة له، باعتباره يمارس السلطة التنظيمية طبق لأحكام الدستور الذي ينص في الفصل 90 على أنه: “يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه للوزراء. تحمل المقررات التنظيمية، الصادرة عن رئيس الحكومة، التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها’.
وبالرجوع إلى السند القانوني المرجعي الحالي في موضوع ترسيم الأعياد الجاري بها العمل، نجد تحديدا تنظيميا وليس تشريعيا لقائمتها المسموح فيها بالعطلة، وذلك بموجب المرسوم رقم 2.77.169 الصادر بتاريخ 28 فبراير 1977، والذي اعتبار الأعياد المحددة بموجبه أيام عطلة وتؤدى عنها الأجور كل سنة في الإدارات والمصالح العمومية، وتشمل القائمة أربعة أعياد ذات بعد ديني كعيد الأضحى وعيد الفطر وسبعة أعياد ذات بعد سيادي وطني كأعياد العرش والمسيرة الخضراء والاستقلال ، وأخرى مدنية ببعدها العلمي كعيد الشغل، فضلا عن ثلاث أعياد تخص اليهود المغاربة.
كما أننا نجد مدونة الشغل تثبت الطابع التنظيمي لتحديد الأعياد الوطنية، حيث ورد في مادتها 217 أنه ” يمنع على المشغلين تشغيل الأجراء أيام الأعياد المؤدى عنها والمحددة لائحتها بنص تنظيمي وأيام العطل”، وبناء عليه صدر المرسوم رقم 2.04.426 بتاريخ 29 دجنبر 2004 المتعلق بتحديد لائحة أيام الأعياد المؤداة عنها الأجور في المقاولات الصناعية التجارية والمهن الحرة والاستغلاليات الفلاحية والغبوية، وتشمل نفس الأعياد الدينية والمدنية المعتمدة.
ويتضح جليا من الإثبات بالمرسومين المذكورين الإفادة الجوهرية بتقدير القيمة التنظيمية المتعلقة بالسعي الجاري لترسيم العيد الأمازيغي ضمن العطل الوطنية، حيث نجد النص التنظيمي المرجعي المؤسس للقائمة المذكورة يستند أساسا وبالدرجة الأولى على الفصل الدستوري الخاص بممارسة السلطة التنظيمية التي تظل في كل الأحوال شأنا حكوميا تدبيريا خالصا، بما يضعف حجية أي ارتهان محتمل لاعتماد مبادرة تشريعية حكومية أو برلمانية في موضوع ترسيم عيد وعطلة السنة الأمازيغية.
وفي هذا السياق يتعين الإحالة على تسجيل سابقة إيداع مقترح قانون برلماني لجعل يوم يناير للسنة الأمازيغية عيدا وعطلة رسمية مؤدى عنها، برسم نهاية الولاية التشريعية السابقة، وتحديدا بتاريخ 13 يناير 2021، دون أن ينتج غايته في إصدار قانون يجعل “الثالث عشر من يناير من كل سنة ميلادية عطلة رسمية لمدة يوم واحد”.
فرغم الاعتراف بالأهمية السياسية للمبادرة التشريعية المذكور، في سياق سعي برلماني وحزبي لتثمين السمو الدستوري لترسيم الأمازيغية، فإنه لا يمكن من وجهة نظر قانونية أخرى إغفال كونها مجسدة لمحاولة غير موفقة لاختراق المجال التنظيمي بمضمون تشريعي.
ومن زاوية أخرى فإن مبادرات الرهان التشريعي لترسيم احتفال عيد رأس السنة الأمازيغية تثير مخالفة وجاهة غايتها في تقدير بعد الإنصاف والعدالة، وذلك نظرا لما تثيره في حد ذاتها من بعد تميزي غير دستوري بالقيمة التنظيمية لسند الاحتفال بباقي الأعياد، إذ لا يستقيم تأطير رأس السنة الأمازيغية بقانون، في مقابل تأطير باقي الأعياد بموجب مرسوم، والحال أنها لا تقل أهمية في بعدها الرمزي والدستوري والوطني.
ومن جهة قانونية مقارنة، يمكن الإحالة على كون تحديد الأعياد في دول أخرى بمبادرة تشريعية مقترن بخصوصياتها الدستورية واختياراتها التدبيرية المستقلة عن النموذج المغربي، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي شرعنت أعيادها الإحدى عشر بقانون يتعلق بمدونة الشغل في مادته رقم “L. 3133-1 ” أو الجزائر التي كرست قانونية الاحتفال باليوم الأمازيغي بتعديل نص قانون أعيادها الرسمية بموجب قانون رقم 12.18 الصادر في 2 يوليوز 2018. وفي اتجاه أخر نجد تونس تجعل أمر تحديد الأعياد من مشمولات صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي أصدر أمره الرئاسي بتاريخ 7 دجنبر 2021 بغاية ضبط أيام الأعياد الرسمية لبلاده.
وعلى نحو الإجمال، فقد آن الأوان لتكريس التناغم المطلوب مع المعطيات الدستورية والقانونية التي تثبت اليسر الممكن لحسم موضوع ترسيم العيد الأمازيغي بقرار عمومي يجسده التعجيل بإصدار مرسوم تعديلي لقائمة الأعياد الوطنية، انسجاما مع الإرادة الملكية والتوجيهات السامية الداعمة لقيام المؤسسات بدورها وتحمل مسؤوليتها، وبما ينسجم مع غاية سمو التقدير الدستوري والملكي للأمازيغية وباقي روافد التلاحم الوطني الذي يثريه بكل تأكيد عيد “تمزيغت”. وكل سنة متجددة وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock