دكاكين الأحزاب السياسية ومعضلة الزعيم الخالد ..اقترابات من مشكلات العزوف السياسي للشباب المغربي .
هنا 24 / عبد الصادق النوراني
يبدو أن المشهد الحزبي ببلادنا كذاك الرجل الذي أصابه الحول وفقد ضله بفعل عدم قدرة مكوناته إقناع الشباب المغربي إن لم نقل المغاربة بصفة عامة الإنخراط في العمل السياسي، وقاده كرها للعزوف عن الممارسة السياسية لدرجة التلويح والتهديد عبر وسائل التواصل الإجتماعي بمقاطعة الإستحقاقات الإنتخابية القادمة .
وبحسب إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط ، فإن نسبة الشباب تجاوزت 65 في المئة من مجموع سكان المغرب مايعني أكثر من نصف السكان في حين بلغت نسبة العازفين عن العمل السياسي حسب نفس المصدر 70 في المئة أي حوالي ثلثي سكان البلاد .
أرقام صادمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى تسائل بكل قوة ضمير نخبنا السياسية ، رؤساء احزابنا الوطنية وقادة فصائلنا النقابية وكوادر هيئات ومنظمات مجتمعنا المدني بكل أجهزتها الإدارية وبرلماناتها الداخلية وآلياتنها التنظيمية ، بل وحتى برامجها السياسية والإقتصاية والإجتماعية الجوفاء التي لا تعدو حبرا على ورق تتناثرها هبات الرياح هنا وهناك وسط الدروب والأزقة أيام الحملات الانتخابية فقط ليكون مصيرها في آخر المطاف دكاكين البقالة وأصحب الزريعة يلفون لزبائنهم حاجياتهم فيها .بل ويضع هذه الأحزاب في قفص الإتهام أمام محكمة الضمير المجتمعي بتهم كثيرة ومختلفة :(كالريع السياسي ، انعدام الديمقراطية الداخلية ، البيروقراطية ، الولاء بدل الإستحقاق في التعيينات، إقصاء الكفاءات والشباب ، المؤتمرات الصورية والمفبركة في ظلام ، غياب المرجعيات الإديلوجية، استغلال الدين ، التشبت بالمسؤولية، تأليه الزعيم …إلخ ) تدينها وتصدر أحكاما في حقها تنزع منها الشرعية لتبقى منارات معطل ضوئها ويشار إليها بالبنان .
ولعل للموروث المزدوج الأ
في ثقافتنا السياسية أثر كبير في هذا العزوف والذي يتمثل تأليه الزعيم وحب الخلود الأبدي في القيادة مهما كلف الأمر ذلك وبأي ثمن( تجربة المرحوم المحجوب بن الصديق في قيادة الإتحاد المغربي للشغل من المهد إلى اللحد) . فبمجرد انتخاب رئيس أي حزب أول شيء يقوم به هو شراء مسامير العشرة وتصليب نفسه على كرسي الرئاسة حتى إذا أرادوا اجتثاته يجتثون معه الكرسي ايضا تجسيدا واقعيا للمثل الشعبي : لا رابح لا مربوح ، وأنا ومن بعدي الطوفان.
وبنظرة بسيطة على معدل أعمار رؤساء أحزابنا الوطنية التي تجاوزت الثلاثون حزبا نجده فاق الستين حولا نقيض جارتنا الشمالية اوروبا ، بل لا زالوا طامعين في القيادة ويخوضون معارك سياسية قدرة وشرسة تنتهي غالبا بالإنشقاقات وتفريخ أحزاب أخرى وطامعين أيضا في تولي مناصب حكومية عوض ان يفتحوا المجال للشباب الذين يستغلونهم فقط كدروع بشرية لتزكية وإرساء وضعيتهم داخل هيئاتهم السياسية في مشهد يثير الإحتقار اكثر مما يثير الإحترام ويبعث على الكراهية اكثر مما يبعث على الود .
هذه هي حقيقة واقعنا الحزبي المؤلم والشاد الذي عنوانه الفشل الدريع الذي جعل الدولة تتدخل في أكثر من مرة لتوجيه الملاحظات لهذه الأحزاب بما يكفل تقدم وازدهار هذا البلد .
فإلى متى يضل حب سلطة كراسي القيادة الحزبية قائما على الولاء الأعمى والإفلات من المحاسبة وتطبيق القوانين التنظيمية الداخلية والأخلاق الوطنية ؟