مقالات و آراء

الشباب و أزمة المشاركة السياسية

لطالما اعتبر الشباب قوة بشرية مهمة ميزت مجتمعا عن الآخر ، ولطالما كان ولا يزال دورها مهم في عملية بناء وتطوير قدراته ، سواء المادية أو المعنوية من خلال المساهمة الكبيرة التي يساهم بها هذا العنصر البشري في عملية التنمية المستدامة ، سواء داخل مؤسسات الدولة أو حتى هياكل المجتمع .
لأجل هذا كله اعتبر الشباب رافعة لتنمية ، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية وكذلك سياسية ، من خلال مشاركته في إنماء هذه الحقول داخل منظومة الدولة الواحدة . إلى حد اعتبر معه هذا العنصر البشري القوة الدافعة لحركية المجتمع وتطوره ، مما استوجب ضرورة إشراكهم في الحياة السياسية ، عبر تطوير برامج إدماجهم وتحصينها بنصوص قانونية ودستورية محفزة لمشاركتهم الفعالة داخل هذه الحياة ، خصوصا في ضل ما أصبح يصطلح عليه بظاهرة عزوف الشباب داخل المشهد السياسي المغربي ، والتي تعتبر مثار تخوف الكثيرين ولاسيما عند قرب المحطات الانتخابية والتي نخوض حملتها هذه الايام سواء انتخابات تشريعية أو جهوية او محلية .
والحال هنا أن نسبة الشباب في المغرب تتجاوز 65 في المائة من نسبة السكان ، وهو رقم مهم للغاية إذا ما تمت مقارنته مع دول الجوار ، حيث يمثل شباب المغرب وحده عشر شباب المنطقة ، وهي ميزة مهمة لدولة كالمغرب خطت خطوات مهمة في مسار الدمقرطة ، والقطع مع ارث الماضي نحو بناء دولة الحق والقانون. الأمر الذي يجب أن يوازيه مشاركة مهمة لشباب في هذا المسار ، غير إن الإحصائيات تدل على أن نسبة مهمة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي ، وان نسبة ضئيلة جدا منهم هي التي تمارسه فعليا رغم انه يمثل أكثر من أربعين في المائة من الفئة الناخبة .

ومن الضمانات الدستورية والقانونية لوضع الشباب في المشهد السياسي المغربي ، تلك التي جاء بها دستور 2011 ، و التي نصت على دور الشباب في الحياة السياسية وكانت بمثابة المحفز لها ولعل من أهمها :
1- من مستجدات الدستور الجديد ما تضمنه الفصل 33 من تنصيص على ضرورة اتخاذ السلطات التدابير اللازمة لتوسيع وتعميم إشراك الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وتسهيل ولوجهم للحياة الثقافية عبر مساعدتهم وتشجيعهم على الاندماج في الحياة النشيطة و الجمعوية.
2- تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجية والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية ، مع توفير الظروف المواتية لتفجير طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.
3- تنصيص الفصل 170 من الدستور على إحداث مجلس استشاري لشباب والعمل الجمعوي ،يكون بمثابة هيئة استشارية تعمل على تقديم المشاريع والبرامج الهادفة إلى إدماج الشباب في لب الشأن العام عبر تقديم الاقتراحات حول كل موضوع اقتصادي وثقافي يهم هده الفئة.
4- إصدار قانون تنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية باعتباره ترجمة حقيقة ، لما جاء في الدستور الجديد الذي نص على ضرورة إدراج الأحزاب لفئة الشباب في الهياكل التقريرية للحزب وإعطاء نسبهم فيها مع التقرير على ضرورة عملها على أشارك هده الفئة في الحياة السياسية والعمل على ترسيخ هده الممارسة.
5- تخصيص حصة لشباب في الانتخابات التشريعية ل 25 نوفمبر 2011 على مستوى اللائحة الوطنية بنسبة 30 شاب دونما سن 40
6- تخفيض سن الترشيح إلى 18 سنة ليطابق سن التصويت.

ورغم هذا كله ، وبعد مرور عدة سنوات على إصدار الدستور فإن المجلس الاستشاري لشباب لم يتم إحداثه حتى ألان ، كما أن نسبة مشاركة الشباب الأقل من 35 سنة ترشيحا وتصويتا في انتخابات 2011 وما تلاها كانت متوسطة إن لم نقل ضعيفة ، كما أن الاستفادة من البرامج الهادفة إلى إشراك الشباب عرفت تطبيقا محدودا ولم يستفد منها إلا فئات قليلية ، وهو ما جعل وزارة الشباب والرياضة تقر الإستراتيجية الوطنية المندمجة لشباب في سنة 2014 بوجود اختلالات في السياسات الحالية الخاصة بالشباب ، وهو أيضا ما القي بضلاله على تعاطي الشباب المغربي مع المحطات السياسية الكبرى للبلاد خصوصا الانتخابات التشريعية والجماعية لما بعد دستور 2011 التي عرفت نوعا ما بعض العزوف الشبابي والذي يمكن تلخيص أهم أسبابه في عدة عوامل من أهمها :
1- ضعف آليات إفراز النخب و تأطيرها خصوصا الأحزاب السياسية وفقدان الشباب الثقة في هده المؤسسات لما تعرفه من طابع تقليدي في استقطاب هده الفئة ، وهو ما يبلور فكرة أساسية بأن الشباب ليس عازف عن الممارسة السياسية بقدر ما هو عازف عن ولوج الأحزاب السياسية باعتباره الآلية الرئيسية في تفعيل المشاركة
2- ندرة التكوين و التأطير الفعلي لفئة الشباب مما يترجم غياب استراتيجية واضحة لإدماج هده الفئة في تسير الشأن العام بالمملكة وبالتالي المساهمة في الحياة السياسية عموما.
3- ضعف إلمام واهتمام الشباب بالحقل السياسي.
4- التعامل مع قضايا الشباب في البرامج السياسية للمنتخبين والأحزاب السياسية كمنشطات انتخابية فقط.
أسباب تجعل الشباب المغربي يمتنع عن المشاركة السياسية ، ليس عزوفا بقدر ما هو عدم ثقة في مؤسسات تفعيل المشاركة السياسية.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock